إذا غيَّر النَّـأيُ المُحِبِّينَ لم يَكَدْ رَسِيسُ الهوى مِن حُبِّ مَيَّة يَبْرَحُ ذو الرُّمة وإذا صدع البينُ شملَ المحبِّين، فنأيُ أبي فهرٍ وشغلي بغيره لا يذهبان بما له في القلب من ودٍّ قديم وهوًى لا يبلى. وقد قالوا إن «الرَّسِيسَ» أصلُ الحب، وقالوا هو ابتداء الهوى وآخره، وهو بقيته في القلب ودفينُه، وهو مسُّه وحنينُه، ولعمري إن لي ولهذا الكتاب من كل أولئك نسبًا عند أبي فهرٍ وصهرًا.
وفي الكتاب بقية ما لم يُنْشَر من تراث شيخ العربية محمود شاكر مجموعًا من قبلُ في كتاب، من بواكير حياته إلى خريف عمره، كمقدماته لتآليف غيره، ومقالاته التي خلت منها «جمهرة مقالاته» وهي إحدى عشرة مقالة، ومترجماته الأدبية لبضعة نصوص عالمية، وما لخَّصه أيام دراسته بالجامعة من محاضرات أستاذه المستشرق الإيطالي نلِّينو، وحوار صحفي نادر نشر في مجلة الفيصل، ونخبة من رسائله الخاصة إلى بعض شيوخه وأصحابه، ثم تصحيحاته المفردة لبعض الكتب التراثية المطبوعة مما يغفل عنه كثيرٌ من القراء والباحثين.
عملٌ غرسَه الحبُّ، وروَّاه رسيسُه التالدُ في القلب، ورعاه الوفاء المستحقُّ، والبـرُّ الواجب، والاعترافُ بالفضل لعلم من أعلام هذه الأمة الكبار، وحارس من حَرَس لغتها الأمناء، وشهاب من شُهُبها الثواقب، ليبقى من بعدُ كما قال هو في شيخه من قبلُ «ميراثًا نتوارثُه، وأدبًا نتدارسُه، وحنانًا نأوي إليه»، وتلك الأيام نداولها بين الناس.