من أعظم غايات إنزال القرآن الكريم على البشرية الإيمانُ بكماله وعظمته، وأنه من عند الله الحكيم الخبير، ومن أقوى وسائل إدراك ذلك: الوقوف على شواهد الإعجاز ودلائله التي اتسمت به آياته والتي كشفت عن عجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله أو بشيء منه، وذلك ما تكفَّل بإبرازه: علمُ إعجاز القرآن الكريم، والذي تتجدد الحاجة إليه في كل عصر، وعَظُمت في هذا الزمن لظهور موجات الإلحاد شرقًا وغربًا، وكثرة الشك والشبهات التي ظهرت على الساحة هذه الأيام، والتي تستوجب إمداد الأجيال الناشئة والقائمين على تربيتهم وتوجيههم بالمعارف القرآنية الكاشفة عن خواص كتاب الله عز وجلَّ وما تضمَّنه من أنوارٍ ورسالات.
ولأنَّ جملةً من مقالات المتأخرين المصنفين في الإعجاز داخلها شيءٌ من التكلُّف في تقرير معاني الآيات واستنــطاق دلالات الإعــجاز فيها = عُنِيَ هذا الكتاب باستحضارِ بيان السلف من الصحابة ومن بعدهم لمعاني الآيات المتصلة بوجوه الإعجاز، مع التعليق عليها وإبراز جوانبها الإيمانية والبيانية من كلام المفسرين والعلماء المحققين؛ فكان جوهر هذا البحث عائدًا إلى رياضِ السلف الصالح وتلادِهم الأصيل، حيثُ كانوا أبرَّ الأمة قلوبًا، وأعمقَ علمًا، وأقل تكلُّفًا، وأقربَ إلى أن يوفقوا.