يقدم هذا الكتاب بأوراقه المختلفة محاولةً في الرصد والتحليل من خلفيات وتجارب متنوعة لبُعدٍ واحد من الأبعاد التي تأثرت كثيرًا بالتجربة الاستعمارية، وهو التعليم.
ومن المعروف تاريخيًّا أن المجتمعات الإسلامية (خصوصًا شمال إفريقيا) لم تعرف أنظمة التعليم الحديثة إلا من خلال التجربة الاستعمارية؛ حيث كان نمط التعليم السائد هو التعليم الديني القائم على الدراسة على الشيوخ في المساجد الجامعة كالأزهر والزيتونة والقرويين، ولكن في خضم التجربة الاستعمارية وعودة الوفود القادمة بعد الدراسة في أوروبا ومساعي التحديث التي مُنيت بها المجتمعات الإسلامية، حدث تحولان على مستوى أنماط التعليم: تشييد الجامعات الحديثة ونشأة الأكاديميات على غرار الأكاديميات الغربية، والتحول الآخر داخل ساحات التعليم الشرعي نفسه، سواء على مستوى المقررات أو طرق التدريس، فأدمجت العلوم الطبيعية أولًا في فضاءات المدارس الشرعية، ثم لاحقًا أسست الدرجات العلمية في التخصصات الدينية على غرار الدرجات الأكاديمية التي تمنحها الجامعات الحديثة.
ومن هنا تناول هذا الكتاب النظرَ في تلك التحولات التي مرت بها العملية التعليمية بشكل عام والتعليم الديني بشكل خاص في المجتمعات الإسلامية إبان الحقبة الاستعمارية.