ما العوامل والموجّهات التي تؤثِّر في مصير المجتهد إلى نوط الحكم الفقهي بالحكمة التي يستهدفها هذا الحكم، أو بالعلة الظاهرة المنضبطة التي هي مظنّة الحكمة؟
وقبل ذلك: ما المعنى الدقيق لكلٍّ من العلة، والحكمة، والمظنة، والتعليل، والتعليل بالحكمة، والتعليل بالمظنة؟ وهل الأصل هو تعليل الأحكام بالمظانّ (العلل) لا بالحِكَم كما قال الأصوليّون؟ وإذا كان كذلك فما دليل هذا الأصل وما الفلسفة التشريعية التي يقوم عليها؟
يأتي هذا الكتاب ليجيب عن هذه الأسئلة، ويؤكِّد على اللحمة بين علمي المقاصد وأصول الفقه، وذلك بتجلية عوامل عِدّة ذكرها الأصوليّون -صراحةً أو إشارةً- تؤثِّر في تعليق الأحكام، إمّا بالمقاصد والحِكَم، وإمّا بالمظانّ والأسباب التي شاع تعبير المتأخّرين عنها بالعِلل.
وقد كثر حديث المعاصرين عن التّعليل بالحكمة، والمصلحة، وتوظيف مقاصد الشريعة في استنباط الأحكام، وكان للمؤلف إسهامٌ عالٍ في بحث مسألة نوطِ الأحكام بالحِكَم والمصالح والمقاصد، فكتب فيها ثلاثةَ أبحاثٍ بقصد تحقيق القول فيها وتحرير متعلَّقاتها، ثم إنَّه قام بصهرها في هذا الكتاب فاجتمعت بذلك تلك الأبحاث وائتلفت في سياقٍ واحدٍ منتظمٍ آخذٍ بعضه بحُجَزِ بعض.