النّضار

الآثار الباقية لجاحظ العصر عبدالعزيز البشري

لم يزل الجاحظ مهوى أفئدة جمهرة الأدباء، ومطمح أنظار أحلاس البيان، وحديث آمال شداة البلاغة، يتقيَّلون أسلوبه، ويقتصُّون أثره، ويجرون على سننه، ولم يزل الناس في عصرنا -وقد عاد إلى البيان رونقه بعد طول وهن وكلال- يلهجون بالتشبيه به، وينسبون من يقدِّمونه إليه، وإنك لن تجد في هؤلاء أجدر بتلك النسبة من عبد العزيز البشري، جزالة بيان، ونقاء ديباجة، وسطوة تأثير، مع فكاهة ساخرة، وتهكُّم لاذع، وتصوير طريف، ومعالجة لهموم الناس وما يلابسونه في شؤون حياتهم، فهو بحق «جاحظ العصر». وقد كاد البشريُّ أن يخلص جهدَه لكتابة المقالات في الصحف، وإذاعة الأحاديث في الراديو، وجمَع منها في حياته كتابين هما «المختار» و«في المرآة»، ثم جُمِعت له مقالاتٌ أخرى بعد وفاته في كتاب «قطوف»، وظنَّ كثيرٌ من القراء والمتأدبين أن ذلك مبلغ ما ترك وغاية ما أبقى من آثار، وبعض الظنِّ وهم. وفي كتاب «النضار» هذا تسعون مقالة جديدة من نقيِّ بيان البشري ومتخيَّر لفظه، تنشر أول مرة في كتاب، موزعة الموضوعات بين الإسلاميات، والأدب، والاجتماع، والأفاكيه، والذكريات، والأعلام، وحديث الكتب. وألحقتُ بها الباب الخاصَّ بالنهضة الأدبية في العصر الحديث من كتاب «المفصَّل في تاريخ الأدب العربي»، وهو بابٌ بديعٌ استقلَّ البشري بكتابته ويغفل عنه كثيرٌ من محبِّي أدبه. وفي هذه النصوص الجديدة ما يعين دارس أدب البشري على استجلاء صورة أرحب مجالًا وأغزر علمًا بسرائر نفسه وأحناء فكره.